تمثل مقاطعة اركيز إحدى أكبر المقاطعات الستة الموجودة بولاية الترارزة وتضم 5 بلديات ومركزين إداريين مشكلة بذلك أحد أكبر التجمعات السكانية في البلد وتعبر المقاطعة نموذجا للمقاطعات الرعوية والزراعية بامتياز إذ تقع ضمن دائرتها بحيرة اركيز ذات الأرض الزراعية الخصبة إضافة إلي الطابع الزراعي والرعوي للمقاطعة فإن التجارة تعتبر موردا لا يستهان به بالنسبة لسكان المقاطعة نظرا لقربها من السنغال.
وعلى الرغم من مواردها الرعوية والزراعية وموقعها الجغرافي فإن مقاطعة اركيز تمثل بؤرة من بؤر الفقر الأكثر إلحاحا في البلد إذ ينتشر الفقر بين سكانها على نطاق واسع مرتكزا على دعائمه التقليدية كالأمية والبطالة وتدنى مستوى الخبرات في المجالات الحرفية وانعدام الفرص الاستثمارية والتكوين والتأطير، هذا التناقض الصارخ بين المقدرات الطبيعية للمنطقة والبؤس الذي يعاني منه السكان يمثل نموذج دول العالم الثالث العصي علي التغيير والذي يسحقه سندان الظروف المناخية كلما شحت السماء في عطائها وإذا ما جادت سحقت عطاءها مطرقة سوء التسيير الذي ينخر في مؤسسات وهيئات دول العالم المتخلف.
طريق الآلام..
رغم انعدام الطرق المعبدة مابين مختلف القرى والحواضر في داخل موريتانيا ورداءة المعبد منها إلا أن بعض الطرق لها صيت سيئ تطبق شهرته الآفاق وتشكل مجال تندر لا ينتهي بين المسافرين وسائقي سيارات النقل وحسب تجربتي فقد كان أول سؤال طرحته على مرافقي بعد تعارفنا كيف هي الطريق؟ فبدأ في سرد صعوباتها وكيف أنه يعانى آلاما في مختلف مفاصل عظامه رغم أنه في أواسط عقده الثالث، وبعد دقائق ارتشفنا خلالها ثلاثة كؤوس من الشاي بدأت الرحلة من بلدية "تكنت" التي تعتبر أقرب نقطة يمر بها طريق معبد قادم من نواكشوط، بدأت الرحلة حوالي الساعة التاسعة صباحا باتجاه المذرذة التي تقع في منتصف الطريق مابين"تكنت" و"اركيز" ورغم فظاعة الطريق بسبب الحفر فقد حمدت الله علي أن سخر لي بساط الريح -المتمثل في السيارة رباعية الدفع التي تقلني- قياسا إلي سيارات النقل المتعارف عليها محليا بـ"النيكابات"، بعد حوالي الساعة من السير نصفها علي الأقل أمضيناه في الهواء دخلنا المذرذة مكملين بذلك نصف المسافة التي فهمت فيما بعد أنها مجرد تحمية حيث شكل بقية الطريق المتوجه إلى اركيز مرورا ب"التاكلالت"، "وافجار"، و"انعيمات"، تجربة يضيق القاموس اللغوي عن وصفها، فالطريق الأصلي الذي كان يربط ما بين المذرذة واركيز كان طريقا صحروايا محضا لكن السلطات ربما ارتأت أن رفاه سكان المنطقة يقتضى بناء طريق جديد حيث عمدت إلي التعاقد مع أحد الخصوصيين من أجل تعبيد ذلك الطريق فكان الانجاز أسوء من الطريق الأصلي حيث عمد المتعهد إلي انجاز طريق معبدا بالطين – ربما باتفاق مع السلطات- غير مكتمل لتوقفه عند قرية الجابر ولعدم إمكانية استخدامه خلال فصل الأمطار لأنه زلق ولاستحالة ذلك خلال الفصول الأخرى بسبب التقعرات والحفر وزحف الرمال ومئات الحمير الأهلية السائبة التي جعلت منه مرتعا لها.
المقاطعة بالأرقام..
يبلغ عدد سكان بلدية اركيز عاصمة المقاطعة حسب الإحصاء الأخير 20.688 نسمة موزعين على 36 حيا سكنيا وتتبع لها 4 بلديات هي برينه وانتيكان وبوطلحاية ولكصيبة2 وتتمحور أنشطة سكان المقاطعة حول التنمية الحيوانية والتجارة والزراعة حيث يبلغ إنتاجها من الأرز سنويا 50 بالمائة من الإنتاج الوطني وتقع عاصمة المقاطعة اركيز بمحاذاة بحيرة اركيز ذات الأرض الزراعية الخصبة والتي تبلغ مساحتها الإجمالية 3400هكتار منها 853هكتارا مستصلحة ومروية بالانسياب السطحي فيما لا يزال الجزء الأوفر منها والذي تبلغ مساحته 2547 هكتارا معطلا عن الإنتاج في انتظار وعود قديمة باستصلاحه.
وتضم المقاطعة 90 مدرسة ابتدائية بلغ عدد المسجلين فيها بالأرقام 13526 تلميذ 6917 ذكور 6609 إناث كما تضم المقاطعة 8 إعداديات و2 ثانوية .
أما على المستوى الصحي فإن المقاطعة تضم مستوصف في اركيز والعديد من المراكز الصحي في كل من لكصيبة وانتيكان ومعط مولان وبرينة ودوز دوز أما على المستوى الإداري فإن المقاطعة تضم مقاطعة يوجد على رأسها حاكم إضافة إلي العديد من المصالح من بينها مفتشية الزراعة والتعليم الأساسي والحالة المدنية والشؤون الإسلامية…الخ.
كما تنشط بها 100تعاونية زراعية وحرفية تزاول نشاطها بوسائل ذاتية وأساليب بدائية من اجل توفير متطلبات العيش لما يربوا على ألف أسرة فقيرة تعيلها هذه التعاونيات.
السلة الفارغة.. ومشاكل لا حصر لها
رغم أن المقاطعة زراعية بالدرجة الأولى وبمقدورها حسب الدراسات أن تشكل السلة الغذائية لهذا البلد فإنها تعجز عن توفير الغذاء لسكانها بسبب المشاكل التي تعانى منها وفي مقدمتها انقطاعها عن العالم الخارجي حيث يصل سعر النقل مابين اركيز وتكنت للفرد إلي 3000 أوقية – حوالي 100كلم- بسبب وعورة الطريق مما يصعب النقل من والي المقاطعة ويضاعف أسعار المواد الزراعية أضف إلى ذلك أن المنطقة تعانى من نزاعات عقارية على الأراضي لا حصر لها ليس فقط بين المجموعات القبلية والعرقية بل بين داخل نفس المجموعة الواحدة كما أن الشح في الأمطار الذي تعاني منه المقاطعة منذ سنوات بدأ يتضاعف حيث لم تتجاوز التساقطات المطرية خلال هذه السنة حاجز 100مم مما ينذر بموسم جفاف مبكر سيشكل خطرا كبيرا على الثروة الحيوانية التي تعتبر بعد الزراعة ثاني مورد اقتصادي يعتمد عليه سكان بلدية أركيز.
كل هذه العوامل أدت إلي ارتفاع كبير في الأسعار وكأن هذا لا يكفى لتعيش المقاطعة ظلاما دامسا منذ شهر بسبب تعطل في المولدات الكهربائية التي تمتلكها مؤسسة خصوصية.
هذه الوضعية تستدعى من السلطات بذل مجهود أكبر في مجال الدعم الغذائي يتناسب مع الحجم الحقيقي لواقع السكان وإلى إدراج البلدية ضمن الأولويات الاستفادة سكانها من البرنامج الإستعجالي الذي أقرته الحكومة لتخفيف من وطأة غلاء .
معاناة وردود
التقت جريدة أخبار نواكشوط بالعديد من مواطني البلدية من أجل الاطلاع على أوضاعهم و أهم المشاكل التي يعانون منهم كما التقت حاكم المقاطعة ومنسق الخطة الاستعجالية بالمقاطعة وحاورتهم فجاءت ردودهم كالتالي.
فاطمة بنت حرطان رئيسة اتحاد التعاونيات النسوية :
تعاني المدينة من العديد من المشاكل في مقدمتها إنعدام طريق معبد يربطها بالمدن الرئيسية إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر بسبب انعدام قطع غيار مولدات الكهرباء التي تستعمل شركة الكهرباء إضافة إلى قلة المياه الصالحة للشرب ما يضطر العديد منهم إلي إحضار الماء من الآبار أما بالنسبة لفئة النساء في المدينة فإنها تعانى العديد من المشاكل وأخص هنا بالذكر النساء التاجرات في مقدمة هذه المشاكل غياب سوق خاصة بهن كما هو معمول به في بعض المدن الأخرى مما يفرض عليهن الإيجار في السوق بأسعار مرتفعة لا تتناسب وقدراتهن الاستثمارية مما يشكل عبئا مضاعفا، وقد حاولنا خلال الفترة الماضية الحصول على ترخيص لإقامة بعض المنشئات الخاصة بالتعاونيات النسوية وقد تلقتنا العديد من العراقيل التي حالت حتى الآن بيننا والحصول على التراخيص، ومع ذلك فإننا قد تلقينا بعض الدعم الصغير من بعض الجهات المختلفة لتطوير عمل هذه التعاونيات لكن ما تحقق حتى الآن لا يلبى الطموحات.
أما بخصوص الخطة الاستعجالية التي قامت بها الحكومة فقد وصلت بعض المواد الغذائية التي توزع الآن وأعتقد أنها قليلة جديدة ولا تكفى لسد الحاجيات.
أما بالنسبة للمكاسب السياسية التي تحققت للمرأة في مقاطعة أركيز فقد حصلنا علي 7 مقاعد داخل المجلس البلدي مما يشكل تطورا كبيرا للعمل السياسي النسائي.
أما الوضع الصحي للسكان بصورة فأقل ما يمكن القول عنه علي أنه مزري بسبب انعدام الوسائل البشرية والتجهيزات مما يضطر الكثيرين الي التنقل الي نواكشوط من أجل الاستشفاء.
بقلم الكاتب أحمد ولد محمدو